فصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد الحادي والأربعون بعد الستمائة

الطويل

فلما رأى أن ثمر الله ماله *** وأثل موجوداً وسد مفاقره

على أن الفراء وابن الأنباري جوزا وقوع أن المصدرية بعد فعل علم غير مؤول بالظن، كما في البيت، فإن رأى فيه علمية‏.‏ ويجوز أن تكون فيه مخففة، من غير فصل بينها، وبين ثمر على الشذوذ‏.‏

فأن وما بعدها في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي رأى، إلا أنها في القول الثاني مخففة، واسمها ضمير شأن محذوف، وجملة‏:‏ ثمر الله خبرها‏.‏

ولم يتعرض لكون رأى بصرية فتكون أن هي المصدرية الداخلة على الفعل، لأن ذلك لا يجوز، لأن التثمير أمر معنويٌّ غير مدرك بحاسة العين، ومعناه التكثير‏.‏

قال صاحب الصحاح‏:‏ وأثمر الرجل بالمثلثة، أي‏:‏ كثر ماله‏.‏ وثمر الله ماله، أي‏:‏ كثره‏.‏

ففاعل رأى ضمير الحليف، أي‏:‏ المعاهد في بيتٍ قبله‏.‏

وأثل، أي‏:‏ أصل وثبت‏.‏ والتأثيل‏:‏ التأصيل والتثبيت‏.‏

قال صاحب الصحاح‏:‏ يقال سد الله مفاقره، أي‏:‏ أغناه وسد وجوه فقره‏.‏ انتهى‏.‏

فيكون جمع مفقر كجعافر جمع جعفر‏.‏ والمفقر‏:‏ مكان الفقر وجهته‏.‏

وجواب لما في بيت بعده‏.‏

والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني يعاتب بها بني مرة فيما كان بينه وبين يزيد بن سنان بن أبي حارثة، واجتماع قومه عليه، وطواعيتهم له، وطلبه بحوائجهم عند الملوك‏.‏ وكان النابغة يحسد كثيراً، وكان عفيفاً شريفاً في قومه‏.‏

وهذا أولها‏:‏

ألا أبلغا ذبيان عني رسالةً *** فقد أصبحت عن منهج القصد جائره

أجدكم لم تزجروا عن ظلامةٍ *** سفيهاً ولن ترعوا لذي الود آصره

فلو شهدت سهمٌ وأفناء مالكٍ *** فتعذرني من مرة المتناصره

إلى أن قال بعد بيتين‏:‏

فإن يك مولانا تجانف نصره *** وأسلمنا لمرة المتظاهره

فإني لألقى من ذوي الضغن منهم *** بلا عثرةٍ والنفس لا بد عاثره

كما لقيت ذات الصفا من حليفه *** وكانت تديه المال غباً وظاهره

تذكر أنى يجعل الله جنةً *** فيصبح ذا مالٍ ويقتل واتره

فلما رأى أن ثمر الله ماله *** وأثل موجوداً وسد مفاقره

أكب على فأس يحد غرابه *** مذكرةٍ من المعاول باتره

فلما وقاها الله ضربة فأسه *** وللبر عينٌ ما تغمض ناظره

تندم لما فاته الذحل عنده *** وكانت له إذ خاس بالعهد قاهره

فقال تعالي نجعل الله بينن *** على ما لن وتنجزي لي آخره

فقالت يمين الله أفعل إنني *** رأيتك مسحوراً يمينك فاجره

أبى لي قبرٌ لا يزال مقابلي *** وضربة فأسٍ فوق رأسي فاقره

وهذا آخر القصيدة‏.‏

والآصرة‏:‏ القرابة‏.‏ يقال‏:‏ فلانٌ ما تأصره علي آصرةٌ، أي‏:‏ لا تعطفه علي رحم‏.‏ وسهمٌ هو ابن مرة بن عوف الذبياني‏.‏ ومالك هو أخو سهم، قبيلتان‏.‏ ولهذا قال‏:‏ المتناصره، أي‏:‏ التي ينصر بعضها بعضاً‏.‏ وتجانف‏:‏ تمايل‏.‏

والمتظاهرة‏:‏ التي صار كلٌّ منهم ظهيراً ومعيناً للآخر‏.‏ والضغن‏:‏ الحقد‏.‏ وذات الصفاة هي الحية كما يأتي شرحها‏.‏

والحليف‏:‏ المعاهد‏.‏ وقوله‏:‏ وكانت تديه المال إلخ، روى الأصمعي بدله‏:‏

وما انفكت الأمثال في الناس سائره

وقال‏:‏ تلك الرواية منحولة، لأنك تقول وديت فلاناً، للمقتول نفسه، ولا تقول وديت وليه ولا أهله‏.‏ وودى فلانٌ فلاناً‏:‏ أعطى ديته‏.‏ وغباً، أي‏:‏ تعطيه من الدية في يوم ولا تعطيه في اليوم الثاني‏.‏

والغب، بالكسر‏:‏ فصل الفعل، وتركه بيومٍ بين فعل يومين‏.‏ ومنه حمى الغب، إذا أتت يوماً، وتركت يوماً‏.‏ والظاهرة‏:‏ البارزة غير مختفية، وقيل الظاهرة التي تشرب كل يوم‏.‏

وروى أبو عبيدة بدل البيت‏:‏

فواثقها بالله حين تراضي *** فكانت تديه المال غباً وظاهره

وقوله‏:‏ تذكر فاعله ضمير الحليف‏.‏ وأنى بمعنى كيف‏.‏ والجنة، بضم الجيم‏:‏ الوقاية‏.‏ والواتر‏:‏ الذي عنده الثأر، من الوتر بفتح الواو عند قوم وكسرها عند آخرين، وهو الذحل والثأر‏.‏

وقوله‏:‏ فلما رأى فاعله ضمير الحليف‏.‏ وقوله‏:‏ أكب هو جواب لما‏.‏ يقال‏:‏ أكب على كذا، أي‏:‏ لازمه‏.‏ ويحد‏:‏ مضارع أحده، أي‏:‏ جعله حديداً قاطعاً‏.‏

والغراب، بضم المعجمة‏:‏ رأس الفأس القائم، ولها رأسان‏.‏ فالرأس العريض يقال له‏:‏ قدوم، والآخر يقال له غراب‏.‏

قال صاحب الصحاح‏:‏ الذكر من الحديد‏:‏ خلاف الأنيث‏.‏ وسيف ذكرٌ ومذكر، بفتح الكاف المشدودة، أي‏:‏ ذو ماءٍ‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ هي سيوفٌ شفراتها حديدٌ ذكر ومتونها أنيث‏.‏ قال‏:‏ ويقول‏:‏ الناس إنها من عمل الجن‏.‏ انتهى‏.‏

والذكر هو الفولاذ والصلب‏.‏ والأنيث، هو الحديد المعروف‏.‏ والمعاول‏:‏ جمع معول بكسر الميم وفتح الواو، وهي الفأس العظيمة التي ينقر بها الصخر‏.‏ والباترة‏:‏ القاطعة‏.‏ والذحل، بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة‏:‏ الثأر والحقد‏.‏ وكانت، أي‏:‏ الحية‏.‏

وخاس بالعهد، بإعجام الأول، وإهمال الآخر، بمعنى غدر به‏.‏ وأراد بقهرها إياه قطع العطية من الدية‏.‏ وتنجزي‏:‏ إلى أن تنجزي‏.‏

وقوله‏:‏ يمين الله أفعل، أي‏:‏ أقسم يميناً بالله لا أفعل، أي‏:‏ لا أعطي‏.‏ كما كنت أعطيك‏.‏ وبمعنى لا أقبل عهدك بعد هذا‏.‏

والمسحور‏:‏ المخدوع، يقال‏:‏ سحره، أي‏:‏ خدعه وعلله‏.‏ وأرادت‏:‏ إنك إنسانٌ خادعٌ غدار‏.‏ وفاقرة‏:‏ قاطعة، يقال‏:‏ فقر الحبل أنف البعير، إذا حزه وأثر فيه‏.‏

وهذه الأبيات موقوفةٌ على سماع حكايةٍ هي من أكاذيب العرب، قال أبو عمرو الشيباني وابن الأعرابي‏:‏ ذكروا أن أخوين كانا فيما مضى في إبلٍ لهما، فأجدبت بلادهما وكان قريباً منهما وادٍ، يقال له‏:‏ عبيدان فيه حية قد أحمته فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ هل لك في وادي الحية، فإنه ذو كلإٍ‏؟‏ فقال أخوه‏:‏ إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أن أحداً لم يهبط ذلك الوادي إلا أهلكته‏؟‏ فقال‏:‏ والله لأفعلن‏!‏ فهبط ذلك الوادي فرعى فيه إبله، فبينا هو ذات يومٍ في آخر الإبل نائمٌ إذ رفعت الحية رأسها فأبصرته، فأتته فقتلته، ثم دخلت جحرها، وأبطأت الإبل على أخيه فعرف أنه قد هلك، فقال‏:‏ ما في الحياة بعد أخي خيرٌ، ولأطلبن الحية، ولأقتلنها، ولأتبعن أخي‏.‏

فهبط ذلك الوادي فطلب الحية، ليقتلها، فقالت له‏:‏ ألست ترى أني قد قتلت أخاك، فهل لك في الصلح، فأدعك ترعى الوادي فتكون فيه، وأعطيك ما بقيت ديناراً يوماً ويوماً لا‏؟‏ قال‏:‏ وفاعلة أنت‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فإني أقبل‏.‏ فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضرها، وجعلت تعطيه ما ضمنت له، فكثر ماله ونبتت إبله، حتى صار من أحسن الناس حالاً‏.‏

ثم إنه ذكر أخاه ذات يوم فدمعت عيناه، وقال‏:‏ كيف ينفعني العيش، وأنا أنظر إلى قاتل أخي‏؟‏ فعمد إلى فأس فأحدها، ثم قعد، فمرت به، فتبعها، وضربها فأخطأها، ودخلت جحرها، ووقعت الفأس فوق جحرها فأثرت فيه، فلما رأت ما فعل، قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه‏.‏

فلما رأى ذلك تخوف شرها وندم، فقال لها‏:‏ هل لك أن نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه‏؟‏ فقالت‏:‏ كيف أعاودك وهذا أثر فاسك ، وأنت ترى قبر أخيك، وأنت فاجر لا تبالي بالعهد‏.‏

وكان حديث الحية والفأس من مشهور أمثال العرب‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ لما حج عبد الملك بن مروان أول حجة حجها في خلافته، قدم المدينة، فخطب، فقال‏:‏ يا أهل المدينة، والله لا تحبوننا ولا نحبكم أبداً، وأنتم أصحاب عثمان، إذ نقيتمونا عن المدينة، ونحن أصحابكم يوم الحرة، فإنما مثلنا ومثلكم كما قال النابغة‏.‏ وأنشد هذه الأبيات من صفة الحية‏.‏

ثم قال‏:‏ إنه كانت حيةٌ مجاروةً رجلاً فوكعته فقتلته، ثم إنها دعت أخاه إلى أن يصالحها على أن تدي له أخاه، فعاهدها، ثم كانت تعطيه يوماً، ولا تعطيه يوماً، فلما تنجز عامة ديته، قالت له نفسه‏:‏ لو قتلتها وقد أحذت عامة الدية، فيجتمعان لك‏!‏ فأخذ فأساً فلما خرجت لتعطيه الدينار ضربها على رأسها، وسبقته فأخطأها وندم، فقال‏:‏ تعالي نتعاقد، ولا نغدر، وتنجزي آخر ديتي‏.‏ فقالت‏:‏ أبى الصلح القبر الذي بين عينيك، والضربة التي فوق رأسي‏.‏ فلن تحبني أبداً ما رأيت قبر أخيك، ولن أحبك ما كانت الضربة برأسي‏.‏ إنا لن نحبكم ما ذكرنا ما صنعتم بنا، ولن تحبونا ما ذكرتم ما صنعنا بكم‏.‏ انتهى‏.‏

والنابغة شاعرٌ جاهليٌّ تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثاني والأربعون بعد الستمائة

البسيط

أن تقرآن على أسماء ويحكم *** مني السلام وأن لا تشعرا أحدا

على أن أن الخفيفة المصدرية، قد لا تنصب المضارع كما في البيت، إما للحمل على ما المصدرية وعلى المخففة‏.‏ ولو نصبت لحذفت النون من تقرآن‏.‏

قال ابن جني في الخصائص‏:‏ سألت أبا علي، رحمه الله تعالى عنه، فقال‏:‏ هي مخففة من الثقيلة، كأنه قال‏:‏ أنكما تقرآن، إلا أنه خفف من غير تعويض‏.‏

وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى، قال‏:‏ شبه أن بما، فلم يعملها كما لا يعمل ما‏.‏ انتهى‏.‏

وزاد في سر الصناعة‏:‏ وهذا مذهب البغداديين‏.‏ وفي هذا بعدٌ‏.‏ وذلك أن أن لا تقع إذا وصلت حالاً أبداً‏.‏ إنما هي للمضي وللاستقبال، نحو‏:‏ سرني أن قام، ويسرني أن يقوم غداً‏.‏ ولا تقول‏:‏ يسرني أن يقوم، وهو في حال القيام‏.‏

وما‏:‏ إذا وصلت بالفعل وكانت مصدراً فهي للحال أبداً، نحو قولك‏:‏ ما تقوم حسن، أي‏:‏ قيامك الذي أنت عليه حسن، فيبعد تشبيه واحدةٍ منهما، بالأخرى وكل واحدةٍ منهما، لا تقع موقع صاحبتها‏.‏

قال أبو علي‏:‏ وأولي، أن المخففة من الثقيلة، الفعل بلا عوض ضرورةً‏.‏ وهذا على كل حال، وإن كان فيه بعض الضعف، أسهل مما ارتكبه الكوفيون‏.‏ انتهى‏.‏

وكذلك قول في شرح تصريف المازني‏:‏ سألت أبا علي عن إثبات النون في تقرآن بعد أن، فقال‏:‏ أن مخففة من الثقيلة، وأولاها الفعل بلا فصلٍ للضرورة‏.‏ فهذا أيضاً من الشاذ عن القياس والاستعمال جميعاً، إلا أن الاستعمال إذا ورد بشيءٍ أخذ به وترك القياس، لأن السماع يبطل القياس‏.‏

قال أبو علي‏:‏ لأن الغرض فيما ندونه من هذه الدواوين، ونقننه من هذه القوانين، إنما هو ليلحق من ليس من أهل اللغة بأهلها، ويستوي من ليس بفصيح ومن هو فصيح‏.‏ فإذا ورد السماء بشيءٍ، لم يبق غرضٌ مطلوب، وعدل عن القياس إلى السماع‏.‏ انتهى‏.‏

وذهب إلى هذا ابن عصفور في كتاب الضرائر، قال‏:‏ ومنه مباشرة الفعل المضارع لأن المخففة من الثقيل وحذف الفصل، نحو قول الشاعر‏:‏ أنشده الفراء عن القاسم بن معنٍ قاضي الكوفة‏:‏ مجزوء الكامل

إني زعيم يا نوي *** قة إن سلمت من الرزاح

أن تهبطين بلاد قو *** مٍ يرتعون من الطلاح

وقول الآخر‏:‏

أن تقرآن على أسماء ويحكم ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

وقول الآخر‏:‏ الطويل

إذا كان أمر الناس عند عجوزهم *** فلا بد أن يلقون كل يباب

وقول ابن الدمينة‏:‏ الطويل

ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني *** بها كبداً ليست بذات قروح

أبى الناس ويح الناس أن يشترونه *** ومن يشتري ذا علةٍ بصحيح

وقول الآخر‏:‏ الطويل

وإني لأختار القرى طاوي الحش *** محاذرةً من أن يقال لئيم

قال أبو بكر بن الأنباري‏:‏ رواه الكسائي والفراء عن بعض العرب برفع يقال‏.‏ ولا يحسن شيءٌ من ذلك في سعة الكلام حتى يفصل بين أن والفعل بالسين وسوف، وقد في الإيجاب، وبلا في النفي‏.‏

فإن جاء شيءٌ منه في الكلام حفظ ولم يقس عليه، نحو قراءة ابن مجاهد‏:‏ لمن أراد أن يتم الرضاعة برفع يتم‏.‏

ومن النحويين من زعم أن أن في جميع ذلك هي الناصبة للفعل، إلا أنها أهملت حملاً على ما المصدرية فلم تعمل لمشابهتها لها في أنها تقدر مع ما بعدها بالمصدر‏.‏ وما ذكرته قبل من أنها مخففة أولى، وهو مذهب الفارسي وابن جني، لأنها هي التي استقر في كلامهم ارتفاع الفعل المضارع بعدها‏.‏ انتهى‏.‏

وذهب الزمخشري إلى أن الرفع بعد أن لغة‏.‏ قال في المفصل‏:‏ وبعض العرب يرفع الفعل بعد أن تشبيهاً بما‏.‏ قال‏:‏

أن تقرآن على أسماء ويحكم ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

وعن ابن مجاهد‏:‏ أن يتم الرضاعة بالرفع‏.‏ انتهى‏.‏

قال شارحه ابن يعيش‏:‏ قال ابن جني‏:‏ قرأت على محمد بن الحسن، عن أحمد ابن يحيى قول الشاعر‏:‏ البسيط

يا صاحبي فدت نفسي نفوسكم *** وحيثما كنتما لاقيتما رشدا

أن تحملا حاجةً لي خف محمله *** وتصنعا نعمةً عندي بها ويدا

أن تقرآن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

فقال في تفسير أن تقرآن‏:‏ وعلة رفعه أنه شبه أن بما فلم يعملها في صلتها‏.‏ ومثلة الآية‏.‏ وهو رأي السيرافي‏.‏ ولعل صاحب هذا الكتاب نقله من الشرح‏.‏ وهذا رأي البغداديين، ولا يراه البصريون‏.‏

وصحة محمل البيت عندهم على أنها المخففة من الثقيلة، أي‏:‏ أنكما تقرآن‏.‏ وأن وما بعدها، في موضع البدل من قوله‏:‏ حاجة، لأن حاجته قراءة السلام عليها‏.‏

وقد استبعدوا تشبيه لأن بما، لأن ما مصدر معناه الحال، وأن وما بعدها مصدرٌ إما ماضٍ وإما مستقبل، على حسب الفعل الواقع بعدها، فلذلك لا يصح أحدهما بمعنى الآخر‏.‏ انتهى‏.‏

ونقل ابن هشام في المغني خلاف هذا، قال في بحث أن المخففة وقد يرفع الفعل بعدها كقراءة ابن محيصن‏:‏ لمن أراد أن يتم الرضاعة ‏.‏

وكقول الشاعر‏:‏

أن تقرآن على أسماء ويحكما‏.‏

وزعم الكوفيون أن أن هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل‏.‏ والصواب قول البصريين، أنها أن الناصبة أهملت حملاً على أختها ما المصدرية‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وقوله‏:‏ أن تحملا حاجة في موضع نصب بفعل مضمر دل عليه ما تضمنه البيت الأول من النداء والدعاء‏.‏ والمعنى‏:‏ أسألكما أن تحملا‏.‏

وقول ابن جني‏:‏ التقدير أنكما تقرآن، إشارة إلى أن اسم أن ضمير محذوف، وهو ضمير التثنية‏.‏

وقد ذهب ابن هشام في موضعين من المغني كالشارح المحقق‏.‏ إلى أنها في البيت هي المخففة الناصبة للمضارع، قال في القاعدة الحادية عشرة من الباب الثامن‏:‏ من ملح كلامهم تقارض اللفظين في الأحكام، ولذلك أمثلة منها إعطاء أن المصدرية حكم ما في الإهمال، كقوله‏:‏

أن تقرآن على أسماء ويحكما‏.‏‏.‏‏.‏البيت

الشاهد في أن الأولى وليست مخففة من الثقيلة، بدليل أن المعطوفة عليها‏.‏ وإعمال ما حملاً على أن كما روي عن قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ كما تكونوا يولى عليكم ، وذكره ابن الحاجب‏.‏ والمعروف في الرواية‏:‏ كما تكونون ‏.‏ انتهى‏.‏

قال الدماميني معترضاً على دليله في الأول‏:‏ لا مانع من عطف أن الناصبة وصلتها على أن المخففة وصلتها، إذ هو عطف مصدر على مصدر ولا يمنعه أحد، كما تقول‏:‏ عندي أن لا تسيء إلى أحد، وأن تحسن إلى عدوك، برفع تسيء‏.‏

واعتذر عنه الشمني بأن المراد بالدليل هنا ما يفيد الظن والرجحان، وليس المراد أن ذلك دليلٌ من جهة امتناع عطف أن الناصبة، وصلتها على أن المخففة وصلتها، ومن جهة أن الظاهر، أن الثانية من نوع الأولى، والثانية ليست خفيفةً، فكذا الأولى‏.‏

وقال الدماميني في دليله بالحديث‏:‏ لا حاجة إلى جعل ما ناصبة حملاً على أختها أن، فإن فيه إثبات حكمٍ لها لم يثبت في غير هذا المحل، بل الفعل مرفوع ونون الرفع محذوفة‏.‏ وقد سمع ذلك نظماً ونثراً‏.‏

قال الشاعر‏:‏ الرجز

أبيت أسري وتبيتي تدلكي

أي‏:‏ وتبيتين تدلكين‏.‏ وخرج على ذلك ما روي عن أبي عمرو‏:‏ قالوا ساحران تظاهرا بتشديد الظاء، أي‏:‏ أنتما ساحران تتظاهران، فحذف المبتدأ وأدغمت التاء في الظاء، وحذفت نون الرفع‏.‏

وفي الحديث‏:‏ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، فحذف النون من الفعلين المنفيين‏.‏ فعليه يخرج كما تكونوا إن ثبت‏.‏ ولا حاجة إلى ارتكاب أمرٍ لم يثبت‏.‏

ولم يهتد أبو البقاء لمراد الزمخشري في تشبيه أن، بما‏.‏

قال تلميذه الإمام الأندلسي في شرح المفصل‏:‏ قال أبو البقاء‏:‏ إن أراد تشبيه أن بما النافية فهو تشبيهٌ بعيد، لأن أن تقرآن في الشعر إيجاب فهو ضدٌّ للنفي‏.‏ وتشبيه الإثبات بالنفي بعيدٌ خصوصاً في باب العمل والإلغاء‏.‏ وإن أراد بما الزائدة فهو أقرب، ويؤيد ذلك قراءة ابن مجاهد‏:‏ لم أراد أن يتم الرضاعة ‏.‏

ثم قال‏:‏ قلت ما ذكره شيخنا خال عن التحقيق، بل المشبه بها ها هنا ما المصدرية، في أنها تطلب صلة وتقدر معها تقدير المفرد، فتقسيم الشيخ ضائع‏.‏ ومن أراد إبطال شيءٍ بالتقسيم، فطريقه أن يحصر الأقسام بأسرها، ثم يبطل قسماً قسماً‏.‏ والشيخ لم يفعل ذلك‏.‏

واستدلاله أيضاً بقراءة ابن مجاهد على أنها زائدة عجيب، والأجود أن يقال‏:‏ إنها في البيت مفسرة بمعنى أي، وتكون تفسيراً للحاجة المذكورة في البيت المتقدم‏.‏ انتهى كلام الأندلسي‏.‏

وهذا تخريجٌ ثالث للبيت، تبعه جماعةٌ، فجعلوا أن تقرآن تفسيراً لحاجة‏.‏

قال الشارح المحقق في آخر الكتاب أن لا تفسر إلا مفعولاً مقدر اللفظ، دالاً على معنى القول مؤدياً معناه‏.‏ وقد تفسر المفعول به الظاهر كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه‏}‏‏.‏ انتهى‏.‏

ولا يخفى أن الحمل ليس فيه معنى القول، فلا يجوز جعل أن تفسيرية‏.‏ فتأمل‏.‏

وقوله‏:‏ يا صاحبي فدت نفسي إلخ، الجملة الدعائية وهي فدت نفسي إلخ، والجملة الشرطية المراد بها الدعاء أيضاً وهي المصراع الثاني وقع الاعتراض بهما بين قوله‏:‏ يا صاحبي، وبين قوله‏:‏ أن تحملا‏.‏ وأن تحملا في تأويل مصدر إما منصوب بفعل مقدر هو المقصود بالنداء، تقديره‏:‏ أسألكما أن تحملا، أي‏:‏ حمل حاجة لي‏.‏ وإما مجرور بلام محذوفة مع فعلٍ يدل على النداء، أي‏:‏ أناديكم وأدعوكما لأن تحملا‏.‏

ويجوز أن يكون مفعولاً لأجله وعامله محذوف يدل عليه الدعاء لهما، وتقديره‏:‏ أدعو لكما لأجل حملكما حاجةً لي‏.‏ وعلى هذا الاعتراض في الكلام، ويكون المقصود بالنداء هو الجملة الدعائية‏.‏

والمحمل بفتح الميمين‏:‏ مصدر ميمي بمعنى الحمل‏.‏ وعطف اليد على النعمة تفسيريٌّ‏.‏

وروى شارح اللباب وغيره‏:‏

تستوجبا منةً عندي بها ويدا

وهذا يقتضي أن يكون قوله‏:‏ أن تحملا شرطاً، وتستوجبا جوابه‏.‏ فإن على هذا إما مكسورة وإما مفتوحة، وهي حرف شرط كالمكسورة، وهو مذهب الكوفيين، وتبعهم الشارح المحقق وابن هشام في المغني‏.‏

وقوله‏:‏ أن تقرآن هو إما بدل من قوله‏:‏ حاجة، وإما خبر مبتدأ محذوف، أي‏:‏ هي أن تقرآن‏.‏ والجملة استئنافٌ بياني‏.‏ كذا في شرح اللباب وغيره‏.‏

وقال ابن المستوفي‏:‏ هو بدلٌ من قوله‏:‏ أن تحملا‏.‏ وإن كان أن تفسيريةً فلا محل لما بعدها من الإعراب‏.‏

قال الزمخشري في أساس البلاغة‏:‏ يقال‏:‏ اقرأ سلامي على فلان، ولا يقال‏:‏ اقرئه مني السلام‏.‏ انتهى‏.‏

ووجهه أن قرأ يتعدى إلى مفعول واحدٍ بنفسه، وإلى المبلغ إليه بعلى‏.‏ وهذا مذهب الأصمعي، قال صاحب المصباح‏:‏ قال الأصمعي‏:‏ وتعديته بنفسه خطأٌ، فلا يقال‏:‏ اقرأه السلام، لأنه بمعنى اتل عليه‏.‏

وحكى ابن القطاع أنه يتعدى بنفسه رباعياً، فيقال‏:‏ فلان يقرئك السلام‏.‏ انتهى‏.‏

وما في البيت جارٍ على كلام الأصمعي، ولا مانع من تعلق مني بتقرآن، كما فهمه ابن الملا من نقل كلام الزمخشري، فإن مراده أن قرأ لا يتعدى إلى مفعولين بنفسه، ولا يمنع من تعلق مني به إذا كان مستعملاً على ما قاله‏.‏ ويجوز أن يكون مني حالاً من السلام‏.‏

وأسماء من أعلام النساء، ووزنه فعلاء لا أفعال، لأنه من الوسامة وهو الحسن، فهمزته بدل من الواو‏.‏

وجملة‏:‏ ويحكما معترضة‏.‏ وويح‏:‏ كلمة ترحم ورأفة، وهو مصدرٌ منصوب بفعل واجب الحذف‏.‏

وهذه الأبيات الثلاثة قلما خلا عنها كتاب نحوٍ، ومع كثرة الاستعمال لم يعزها أحدٌ إلى شاعر‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثالث والأربعون بعد الستمائة

الرجز

كان جزائي بالعصا أن أجلدا

على أن الفراء استدل به على جواز تقديم معمول معمول أن المصدرية عليها، فإن قوله‏:‏ بالعصا يتعلق بقوله‏:‏ أجلدا، وأجلد معمول أن‏.‏

وقال البصريون‏:‏ معمول الصلة من تمام الصلة، فكلما لا يجوز تقديم الصلة على أن، كذلك لا يجوز تقدم معمولها عليها‏.‏ وأجابوا عن هذا، كما قال الشارح المحقق بأنه نادر، وهو متعلق بأجلد مقدراً، يريد‏:‏ بأن أجلد‏.‏ فاختصر‏.‏

وزاد الشارح المحقق بأن قوله‏:‏ بالعصا خبر مبتدأ مقدر، وتقديره ذلك الجزاء بالعصا، والجملة اعتراضية‏.‏

وقال التبريزي في شرح الحاجبية‏:‏ لم يتعلق بالعصا بأن أجلد، بل إما بأعني للتبيين، وبمثل المؤخر، وبجعل كان تامةً وبالعصا متعلقاً بها، وأن أجلد في موضع رفع على أنه بدل من الجزاء‏.‏ انتهى‏.‏

وقال أبو علي في الإيضاح الشعري‏:‏ لا يمتنع أن يتقدم على وجه التبيين، ليس على أنه متعلق بالصلة، لم يجعلوا بالعصا متعلقاً بالجلد، ولكن جعلوه تبييناً للجلد، كقوله‏:‏ الطويل

أبعلي هذا بالرحا المتقاعس

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكانوا فيه من الزاهدين‏}‏‏.‏

قال ابن جني عند قول الحماسي‏:‏ الطويل

ولا يحمل القوم الكرام أخاهم ال *** عتيد السلاح عنهم أن يمارسا

أراد‏:‏ في ترك أن يمارس، فحذف في أولاً، ثم ترك، ومعناه أن يمارس عنهم‏.‏ إلا أن إعرابه الآن يمنع من حمله عليه، لما في ذلك من تقديم بعض الصلة على الموصول‏.‏ فإذا كان كذلك أضمر لحرف الجر ما يتناوله، ودل عليه يمارس‏.‏

ومثله قول العجاج‏:‏

كان جزائي بالعصا أن أجلدا

وقال أيضاً بعده‏:‏ عند قول الحماسي من بيت‏:‏ البسيط

والله أعلم بالصمان ما جشموا

المعنى والله أعلم‏:‏ ما جشموا بالصمان‏.‏ فإن حملته على هذا كان لحناً، لتقديم ما في الصلة على الموصول‏.‏ لكن تجعله تبييناً فتعلقه بمحذوف يدل عليه الظاهر‏.‏ وهو بابٌ فاعرفه‏.‏

وقد تكلم على التبيين بأبسط من هذا في شرح تصريف المازني، قال‏:‏ إن كان على تقدير أن أجلد بالعصا فخطأٌ، لأن الباء في صلة أن، ومحالٌ تقديم شيءٍ من الصلة على الموصول، ولكنه جعل الباء تبييناً ومثله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكانوا فيه من الزاهدين‏}‏‏.‏ فلما قدم جعل تبييناً فأخرج عن الصلة‏.‏

ومعنى التبيين أن تعلقه بما يدل عليه معنى الكلام، ولا تقدره في الصلة، لأن معنى البيت جلدي بالعصا‏.‏ فإذا فعلت هذا سلم لك اللفظ والمعنى، ولم تقدم شيئاً عن موضعه الذي هو أخص به، ولا يجوز إزالته عنه‏.‏ وليس يمتنع أن يكون تفسير المعنى مخالفاً لتقدير الإعراب‏.‏

ألا ترى أن معنى قولهم‏:‏ أهلك والليل، معناه الحق بأهلك قبل الليل، وإنما تقديره في الإعراب‏:‏ الحق بأهلك وسابق الليل‏.‏ فكذلك أيضاً يكون معنى الكلام كان جزائي أن أجلد بالعصا، وتقديره في الإعراب غير ذلك‏.‏

وسيبويه كثيراً ما يميل في كلامه على المعنى، فيتخيل من لا خبرة له أنه قد جاء بتقدير الإعراب، فيحمله في الإعراب عليه وهو لا يدري، فيكون مخطئاً وعنده أنه مصيب، فإذا نوزع في ذلك قال‏:‏ هكذا قال سيبويه وغيره‏.‏

فإذا تفطنت لهذا الكتاب وجدته كثيراً‏.‏ وأكثر ما يستعمله في المنصوبات في صدر الكتاب، لأنه موضعٌ مشكلٌ، وقلما يهتدى له‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت للعجاج، كما قاله ابن جني‏.‏

وقبله‏:‏ الرجز

ربيته حتى إذا تعمدد *** وآض نهداً كالحصان أجردا

كان جزائي‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏إلخ

قال ابن جني في شرح التصريف‏:‏ تمعدد من لفظ معد بن عدنان وإنما كان منه، لأن معنى تمعدد‏:‏ تكلم بكلام معدٍّ، أي‏:‏ كبر وخطب‏.‏ هكذا قال أبو علي‏.‏

ومنه قول عمر‏:‏ اخشرشنوا وتمعددوا‏.‏ قال أحمد بن يحي‏:‏ تمعددوا، أي‏:‏ كونوا على خلق معد‏.‏ انتهى‏.‏

وأورده الجوهري في عدد، ونقل الخلاف في ميمه، وقال‏:‏ تمعدد الرجل، أي‏:‏ تزيا بزيهم، وتنسب إليهم، وتصبر على عيش معد‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ في أثر عمر قولان‏:‏ يقال هو من الغلظ، ومنه قيل للغلام إذا شب وغلظ‏:‏ قد تمعدد‏.‏

قال الراجز‏:‏

ربيته حتى إذا تمعددا

ويقال‏:‏ معناه تشبهوا بعيش معدٍ‏.‏ وكانوا أهل قشف وغلظ في المعاش‏.‏ يقول‏:‏ فكونوا مثلهم ودعوا التنعم وزي العجم‏.‏ قال‏:‏ وهكذا هو في حديث آخر‏:‏ عليكم باللبسة المعدية‏.‏

وقال ابن دريد في الجمهرة‏:‏ التمعدد‏:‏ الشدة والقوة‏.‏ وأنشد هذا الرجز ثم قال‏:‏ والمعدة من هذا اشتقاقها‏.‏ ومعدان‏:‏ اسم رجل أحسب اشتقاقه من المعدة‏.‏

وقوله‏:‏ وآض نهداً إلخ، آض بمعنى صار‏.‏ والنهد، بفتح النون وسكون الهاء‏:‏ العالي المرتفع‏.‏

والحصان، بكسر الحاء، هو الذكر من الخيل‏.‏ والأجرد‏:‏ مما تمدح به الخيل، ومعناه القصير الشعر‏.‏

والعجاج تقدمت ترجمته في الشاهد الحادي والعشرين من أوائل الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الرابع والأربعون بعد الستمائة

الكامل

وشفاء غيك خابراً أن تسألي

على أن تقدم خابراً على أن نادر، وهو منصوب بفعل يدل عليه المذكور، والتقدير‏:‏ تسألين خابراً‏.‏

ولم يذكر التخريج الثاني في البيت الذي قبله، لأنه لا يتأتى هنا، فإن خابراً منصوب‏.‏

قال ابن السراج في الأصول‏:‏ ولا يجوز عند الفراء إذا قلت أقوم كي تضرب زيداً‏:‏ أقوم زيداً كي تضرب‏.‏ والكسائي يجيزه، وينشد‏:‏

وشفاء غيك خابراً أن تسألي

وقال الفراء‏:‏ خابراً حالٌ من الغي‏.‏

ونقله صاحب اللباب، فقال‏:‏ ولا يجوز‏:‏ قمت زيداً كي أضرب، كما لا يجوز‏:‏ أريد زيداً أن أضرب، خلافاً للكسائي‏.‏

وقوله‏:‏

وشفاء غيك خابراً أن تسألي

مما يعضد مذهبه‏.‏ والفراء يجعل المنصوب حالاً من الغي على ما حكاه ابن السراج‏.‏

وقول الفراء في البيت لا وجه له، فإن خابراً اسم فاعل من خبرته أخبره، من باب نصر، خبراً بالضم، إذا علمته‏.‏ وهو بالخاء المعجمة والباء الموحدة‏.‏ فالخابر‏:‏ العالم‏.‏

والغي، بفتح الغين المعجمة‏:‏ مصدر غوى غياً، من باب ضرب، أي‏:‏ انهمك في الجهل، وهو خلاف الرشد، والاسم الغواية بالفتح‏.‏

والمصراع عجزٌ، وصدره‏:‏

هلا سألت وخبر قومٍ عندهم *** وشفاء غيك خابراً أن تسألي

وبعده‏:‏

هل نكرم الأضياف إن نزلوا بن *** ونسود بالمعروف غير تنحل

فلا يمكن تخريج البيت إلا على ما ذكره الشارح المحقق والكسائي‏.‏

ولا يصح جعل خابراً حالاً من الغي ولا من الكاف، فإن الغي لا يتصف بالخبر، إذ هو ضده‏.‏ وكذلك المخاطبة لا تتصف به، لأنها متصفة بالغي، ولعدم قوله، خابرة بالتأنيث‏.‏

وقد تصحف على شارح اللباب لفظتان منه‏:‏ الأولى‏:‏ الغي تصحفت عليه بالعين المهملة المكسورة‏.‏

والثانية‏:‏ قوله خابراً، تصحفت عليه بجابر بالجيم، فإنه قال بعد عبارة اللباب‏:‏ هكذا ذكره المصنف، وفيه نظر‏:‏ أما أولاً فلأنه يتعلق بالقصة، فإن كان جابرٌ اسم رجل، فالحق ما ذكره الكسائي، وإن لم يكن اسم رجل، جاز أن يكون فاعلاً من الجبر، فالحق ما ذكره الفراء‏.‏ وإن كان مجهول الحال، احتمل الوجهين‏.‏

وأما ثانياً، فلأن وصف الشفاء بالجبر، كان أولى من وصف العي به، فإن العي، والعجز ليس سبب الجبر والصلاح، بل هو سبب الاختلال، والشفاء والخلاص عن العي هو الجابر للاختلال‏.‏ فلعل تأويله أن العي سبب السؤال، والحامل عليه، والسؤال سبب الشفاء والجبر‏.‏ فجاز أن يجعل العي شافياً، إسناداً للأثر إلى سبب السبب‏.‏

هذا كلامه‏.‏

وهو في هذا معذور، لأنه لم يقف على أصل الشعر‏.‏

وقد أورد البيت بمصراعيه ابن الأنباري والقالي في تأليفهما في المقصور والممدود‏.‏ شاهداً للممدود المكسور أوله، وهو الشفاء‏.‏

ورأيت في الحماسة البصرية‏:‏ قالت امرأة من بني سليم‏:‏

هلا سألت خبير قومٍ عنهم *** وشفاء علمك خابراً أن تسألي

يبدى لك العلم الجلي بفهمه *** فيلوح قبل تفكرٍ وتأمل

ومثل البيتين الأولين في المعنى وغالب اللفظ، قول سعية بن عريضٍ من يهود خيبر‏:‏ السريع

إن تسألي بي فاسألي خابر *** فالعلم قد يلفى لدى السائل

ينبيك من كان بنا عالم *** عنا وما العالم كالجاهل

وبيت الشاهد من قصيدة لربيعة بن مقروم‏.‏ وبعد ذينك البيتين‏:‏

ونحل بالثغر المخوف عدوه *** ونرد خال العارض المتهلل

ونعين غارمنا ونمنع جارن *** ويزين مولًى ذكرنا في المحفل

وإذا امرؤٌ منا جنى فكأنه *** مما يخاف إلى مناكب يذبل

ومتى يقم عند اجتماع عشيرةٍ *** خطباؤنا بين العشيرة يفصل

وإذا الحمالة أثقلت حماله *** فعلى سوائمنا ثقيل المحمل

ويحق في أموالنا لحريبن *** حقٌّ ننوء به وإن لم نسأل

ومن هذه القصيدة‏:‏

ولقد شهدت الخيل عند طراده *** بسليم أوظفة القوائم هيكل

متقاذفٍ شنج النسا عبل الشوى *** سباق أندية الجياد عميثل

لولا أكفكفه لكاد إذا جرى *** منه الشكيم يدق فأس المسحل

وإذا جرى منه الحميم رأيته *** يهوي بفارسه هوي الأجدل

وإذا تعلل بالسياط جياده *** أعطاك نائبةً ولم يتعلل

ودعوا نزال فكنت أول نازلٍ *** وعلام أركبه إذا لم أنزل

ولقد جمعت المال من جمع امرىءٍ *** ورفعت نفسي عن لئيم المأكل

ودخلت أبنية الملوك عليهم *** ولشر قول المرء ما لم يفعل

وألد ذي حنقٍ علي كأنم *** تغلي عداوة صدره في مرجل

أوجيته عني فأبصر قصده *** وكويته فوق النواظر من عل

وأخي محافظةٍ عصى عذاله *** وأطاع لذته معمٍّ مخول

هشٍّ يراح إلى الندى نبهته *** والصبح ساطع لونه لم ينجل

فأتيت حانوتاً به فصبحته *** من عاتق بمزاجها لم تقتل

صهباء صافية القذى أغلى به *** يسرٌ كريم الخيم غير مبخل

ولقد أصبت من المعيشة لينه *** وأصابني منه الزمان بكلكل

فإذا وذاك كأنه ما لم يكن *** إلا تذكره لمن لم يجهل

ولقد أتت مائةٌ علي أعده *** حولاً فحولاً لو بلاها مبتلي

فإذا الشباب كمبذلٍ أنضيته *** والدهر يبلي كل جدةٍ مبذل